سادسًا: ذكر معلّمنا متّى في النسب بعض النساء الأمميّات مثل راعوث الموآبيّة وراحاب الكنعانيّة، ليُعلن أنه جاء من أجل البشريّة كلها ليخصّ الأمم كما اليهود. ويرى القدّيس يوحنا الذهبي الفم في راعوث رمزًا لكنيسة الأمم التي تركت بيت أبيها والتصقت بكنيسة الله وقبلت العضويّة فيها، إذ يقول: [أنظر كمثال ماذا حدث لراعوث، كيف أنها تحمل شبهًا للأمور الخاصة بنا. لقد كانت غريبة الجنس، انحطت إلى الفقر المدقع، ومع هذا لما رآها بوعز لم يحتقر فقرها، ولا اشمأز من مولدها الدنيء هكذا إذ يتقبّل المسيح الكنيسة بكونها غريبة وفي فقر شديد، يأخذها كشريكة في البركات العظيمة، لكن يجب أن تكون كراعوث، فإن لم تترك أولاً أباها وترفض بيتها وجنسها ومدينتها وأقرباءها لن تحصل على هذا الزواج. هكذا إذ تترك الكنيسة أيضًا العادات التي تقبلها الناس عن آبائهم عندئذ - وليس قبل ذلك - تصير محبوبة لدى عريسها. في هذا يحدّثها النبي قائلاً: "اِنسي شعبك وبيت أبيك، لأن الملك اشتهى حسنك" (مز 45: 10-11). هذا ما فعلته راعوث فصارت أمّا للملوك كما يحدّث مع الكنيسة".
سابعًا: من بين أسلاف المسيح أشخاص لهم إخوة، ويلاحظ أن السيّد جاء بصفة عامة منحدرًا، لا من الأبناء البكر، بل ممن هم ليسوا أبكارًا حسب الجسد، مثل إبراهيم ويعقوب ويهوذا وداود ويوناثان. لقد جاء السيّد ليُعلن أن البكوريّة لا تقوم على الولادة الجسديّة، وإنما على استحقاق الروح. لقد جاء السيّد (آدم الثاني) بكر البشريّة كلها، فيه يصير المؤمنون أبكارًا، وتُحسب كنيسته كنيسة أبكار.
ثامنًا: ذكر معلّمنا متّى في نسب السيّد فارص دون زارح، لأن فارص يمثّل كنيسة الأمم التي صارت بكرًا باتّحادها بالسيّد المسيح البكر، بينما زارح يمثّل اليهود الذين فقدوا البكوريّة برفضهم الاتّحاد مع البكر. لقد أخرج زارح يده أولاً بكونه الابن البكر، لكنّه لم يولد أولاً، بل تقدّمه فارص، فاحتل مركزه، ونعِمَ بالبكوريّة. هكذا ظهر اليهود أولاً كبكر للبشريّة، لكنهم حُرموا من البكوريّة، وتمتّع بها الأمم عوضًا عنهم.
تاسعًا: ذكر سبي بابل ليؤكّد أنه بالرغم من تأديبات الشعب بالسبي زمانًا طويلاً لكنّه حافظ على أنسابه، ليتحقّق الوعد الإلهي بمجيء المخلّص. يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على ذكر السبي دون الإشارة إلى التغرّب في مصر، قائلاً: [لأنهم لم يعودوا بعد يخافون المصريّين، وإنما كانوا لا يزالون يخافون البابليّين. الأول (النزول إلى مصر) أمر قديم، أمّا الثاني فكان لا يزال جديدًا، حدث مؤخّرًا. الأول لم يحدث بسبب خطايا ارتكبوها، أمّا الآخر فبسبب معاصيهم.]
3. عدد الأجيال
يقسّم الإنجيلي الأجيال من إبراهيم إلى مجيء السيّد إلى ثلاث حقبات، كل حقبة تضم 14 جيلاً:
أ. من إبراهيم إلى داود، تنتهي الحقبة بالمجد الملوكي مُعلنًا في داود.
ب. من داود إلى سبي بابل، تنتهي بالعار في السبي.
ج. من السبي إلى السيّد المسيح، تنتهي بتحقيق الخلاص، ونزع العار حيث يملك المسيّا. في دراستنا لسفر الخروج (ص 33) لاحظ العلاّمة أوريجينوس أن عدد المحطات التي توقّف عندها الشعب قديمًا من رعمسيس إلى الجانب الشرقي لنهر الأردن 42 محطة، تمثّل الأجيال التي ذكرها متّى البشير (3 حقبات ×14 جيلاً = 42)، وكأن الرحلة تمثّل عبور البشريّة كلها في برّيّة هذا العالم، لتنطلق من أرض العبوديّة وأسر فرعون الحقيقي، أي إبليس، والدخول إلى أرض الموعد حيث ننعم بمجد أولاد الله. مجيء السيّد من امرأة يقدّم لكل مؤمن إمكانيّة هذا العبور ليدخل به بالروح القدس إلى حضن الآب السماوي.
وقد لاحظ القدّيس أغسطينوس في هذا النسب أن يكنيا قد تكرّر مرّتين في نهاية الحقبة الثانية، وبدْء الحقبة الثالثة [11-12]، فقد عاصر يكنيا السبي البابلي بعد أن عُين ملكًا عوضًا عن أبيه. لم يذكر الكتاب المقدّس شيئًا عن خطاياه، وإنما ذكر خطايا الشعب والرؤساء. لقد نُزع عنه الملك، وأُقتيد إلى السبي من أجل خطايا الشعب. وكأن يكنيا يمثّل السيّد المسيح الذي يُحصى مرّتين، جاء لليهود ليخلّصهم، وإذ رفضوه عبر إلى الأمم (بابل) ليخلّصهم. إنه حجر الزاوية المرفوض (مز 118: 22) ربط حائط الأمم بحائط اليهود، ليُقيم كنيسة واحدة للجميع.
يرى G. G. Box أن الإنجيلي متّى قسّم الأجيال إلى ثلاثة مجموعات، كل مجموعة تقوم على أساس الرقم الفلكي لاسم داود الذي في مجموع حروفه بالعبريّة "14"، وكأن القدّيس أراد تأكيد نسب السيّد المسيح لداود الملك ثلاث مرّات، أو كأن السيّد هو الملك لكل الحقبات الزمنيّة.