الرب العادل سيذكر كل ما عُمل باسمه. كل ما عُمل سرًا وفي الخفاء، وكل صلاة سرية، وكل دموع في المخدع. كل أعمال الرحمة المُستترة والخدمات الخفية جميعها ستظهر في النور. لن يغفل عن واحدة منها، ولن يغض الطرف عن شيء. ومَنْ منا يستطيع أن يُخبر عن ماهية الأجرة حينئذٍ؟ قد نفكر فيها ونتصورها، ولكن عندما تُستعلن وتُعرف، سنجد أنها تفوق كثيرًا ما تصورنا. هذه الحقيقة وهي أن كل واحد سينال أجرته بحسب تعبه، لها أهمية عظيمة من الناحية العملية، ومن شأنها أن تجعلنا غيورين. إنها تجدد قوتنا يومًا بعد يوم وتولِّد فينا نشاطًا إلهيًا للتعب ولأن ننْفِق ونُنفَق ونضحي ونُنكِر أنفسنا. كم يحفزنا ذلك أن نتذكر كل يوم أن تعب محبتنا الذي نبذله باسم ربنا المبارك إنما مسجل في السماء. بل كم يدفعنا هذا إلى التواضع والقناعة بخدمته ـ له المجد ـ غير طالبين الكرامة من الإنسان ولا المدح من الناس. وما أكثر الخدمات التي تؤدَّى في هذه الأيام لتكون منظورة من الناس وتهدف إلى استحسان البشر! وخدمات كهذه تُرضي النفس والذات، لكنها لا ترضي الله.
هذه الخدمات قد نالت أجرتها واستوفت المكافأة ولا يمكن أن يكون لها أجرة في المستقبل. لكن ما أبرك أن نخدم في غير ضوضاء، بهدوء وأمانة في قناعة بأن نكون لا شيء في وسط العالم الذي يزعَم أنه متدين. إن كان العالم يمدح خادمًا للمسيح، وكان ذلك الخادم يسعى إلى هذا المدح ويحبه، فلك أن تحكم أن هناك مرضًا في ذلك الخادم وعيبًا في خدمته، وإننا ويا للأسف نجد حولنا من صنف هذه الخدمة الشيء الكثير.
إن ”طلب الأمور العظيمة“ فخ للكثيرين في هذه الأيام، ومعه يأتي تعظيم الذات وتفخيمها. ومرة أخرى نقول كلمات الرب: «إنهم استوفوا أجرهم» ( مت 6: 2 ). وكلمة الله تقول: «وأنت، فهل تطلب لنفسك أمورًا عظيمة؟ لا تطلب» ( إر 45: 5 ). إنها سعادة وفرح أن نخفي أنفسنا في خدمة الرب، وأن نخدم ونصلي في الخفاء، ونكنز على الدوام تعبنا إلى ذلك اليوم الوشيك القادم، عندما ننال أجرتنا من يد الرب، ونسمع المدح من فمه المبارك.
فكروا في هذا مليًا يا جميع خدامه والعاملين في حقله «فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكّل»( غل 6: 9