أفرجت أجهزة الأمن مؤخرا عن أكثر من ألف معتقل من الإسلاميين الذين تمت محاكمتهم فى قضايا جهادية مسلحة وقضوا سنوات عمرهم بين جدران السجون، وظلوا متمسكين على مدار هذه السنين بأفكارهم ومعتقداتهم التى تنوعت بين التوقف والتبيّن من إيمان الآخرين أو تكفير المجتمع أو الجهاد المسلح ضد مؤسسات الدولة والسعى لانقلاب عسكرى وإقامة دولة إسلامية بالقوة وغيرها من مختلف التوجهات الفكرية التى تبنتها الحركات الإسلامية للسيطرة على الحكم.
رغم مرور السنين فإنهم لم يغيروا من أفكارهم ومبادئهم ويطرحوا مراجعات تحمل تطمينات واعتذارات عما أجرموه فى حق المجتمع مثلما فعلت الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، ومن ثم بات السيناريو المتوقع أن ينشط أتباع هذه التنظيمات المتطرفة لمعاودة نشر أفكارهم وتحقيق أهدافهم غير المشروعة والمشبوهة فى الحكم على الآخرين بالكفر والخروج من ملة الإسلام لمجرد أنهم رفضوا فكرتهم ومنهجهم العنصرى، واعتقادهم السائد بأن ما يعتنقونه هو نهج الإسلام الصحيح والخطوة الأولى لقيام دولة الإسلام، وخلال تحقيقنا هذا سنقدم طرحا لبعض التنظيمات الجهادية التى مازال أصحابها يمثلون خطرا على الأمن القومى ولم تعلن تراجعها عن موقفها وأفكارها ولم تطرح نفسها حتى الآن فى إطار مشروع سلمى لاسيما بعد أن أصبحت الساحة مفتوحة أمام الإسلاميين للتحرك بحرية عكس السنوات الماضية التى شهدت تضييقا واعتقالا للكثير منهم.
الناجون من النار
ترجع أول نشأة لفكرة التوقف فى الحكم على المسلمين بكفر أو إسلام إلى نشأة جماعة القطبيين عام 1965، وفى منتصف الثمانينيات من القرن العشرين تخلى الطبيب الشاب مجدى الصفتى عن انتمائه لفكر تنظيم الجهاد وتبنى فكر التوقف والتبين وكون جماعة خاصة به مزج فيها بين فكر الجهاد المسلح وعقيدة التوقف والتبين وقرر أن الطريق الأقصر لنشر فكر التوقف والتبين بين الحركات الإسلامية هو إثبات أن معتنقى هذا الفكر هم أهل جهاد وعمل وليس أهل كلام فقط؛ مما دفعه لتأسيس منظمة جديدة أطلق عليها اسم «الناجون من النار» وضم إليها مجموعة من الأشخاص من معتنقى فكر التوقف والتبين الذين وافقوا على فكرته فى وجوب القيام بتحرك مسلح، وقام تنظيم «الناجون من النار» بثلاث عمليات مسلحة حاولوا فى أولاها اغتيال حسن أبو باشا لكنه نجا بأعجوبة فلم يمت وأصيب بجراح خطيرة والثانية كانت محاولة اغتيال النبوى إسماعيل أما محاولتهم الأخيرة فقد كانت من نصيب الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، وقد نجا مكرم والنبوى إسماعيل من هاتين المحاولتين وكانت كل هذه المحاولات فى صيف 1987 وألقى القبض على الصفتى وأتباعه فى 1993 وخرج بعضهم من المعتقل مؤخرا.
ورغم ذلك فإن تيار «التوقف والتبين» مازال موجودا فى واقع الحركات الإسلامية المعاصرة لكنه لا يتبنى العمل المسلح حاليا ولم يعلنوا اعتذارهم أو توبتهم من هذا الفكر ولم يظهروا أية نية لمراجعة أفكارهم وفق منهج إسلامى صحيح ومعتدل.
التكفير و الهجرة
هى جماعة نشأت على يد شكرى مصطفى عام 1971 وكفرت المجتمع حاكما ومحكومين ولم تعترف بالقوانين الوضعية ونظم الزواج وحرمت الصلاة فى المساجد والتعليم والتوظيف فى الهيئات الحكومية والخدمة فى صفوف القوات المسلحة واتبعت أسلوب السرية فى ترويج أفكارها ومبادئها واستخدمت أسماء حركية لأعضائها وعزلتهم ومنعتهم من مخالطة الآخرين وقامت بتدريبهم على السلاح وأطلقت على نفسها «جماعة المسلمين» لكنها عرفت إعلاميا بالتكفير والهجرة، كان شكرى مصطفى متعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين فى الستينات من القرن العشرين، وتم القبض عليه ضمن الإخوان المسلمين، وشاركهم محنتهم فى سجون عبد الناصر من عام 1965، وحتى خروجهم من السجن فى عهد السادات.
ولم يكن شكرى مصطفى متشربا بفكر الإخوان بالشكل الكافى كما أن ما حدث له ولغيره من تعذيب شديد دفعه للتفكير بشكل نقدى فى فكر الإخوان وموقفهم الفقهى من السلطة والمجتمع، وساعده فى ذلك تبنى أحد زملائه من المعتقلين الأكبر سنا والأقدم فى الدعوة فكرا يرتكز على تكفير كل من يخالف مذهبه الفقهى الذى يتطابق فقهيا وعقائديا فى معظم جزئياته مع مذهب الخوارج وهم الفرقة الإسلامية التى ظهرت إبان خلافة الإمام على بن أبى طالب (رضى الله عنه) وكان ظهور هذا الفكر الجديد والدعوة إليه فى السجون هو سبب قيام حسن الهضيبى المرشد الثانى للإخوان بتأليف كتابه الشهير «دعاة لا قضاة» فى محاولة لتحصين جماعة الإخوان ضد هذا الفكر الخطير.
العجيب أن الشيخ الإخوانى على إسماعيل الذى تتلمذ عليه يديه شكرى مصطفى سرعان ما تراجع عن هذا الفكر وظل شكرى متمسكًا به و داعيا له إلى أن خرج من السجن وأسس جماعته التى اشتهرت باسم جماعة «التكفير والهجرة» وقدر عدد أعضائها وقتها بعدة آلاف والآن لا يتعدون الألف لكنهم متمسكون بمبادئهم حتى داخل المعتقلات وبعد خروجهم مؤخرا لم يعلنوا عن توبتهم أو رؤيتهم أو أية مراجعة لأفكارهم المريضة.
وترتكز المنظومة الفكرية لجماعة التكفير والهجرة على عدة أسس أهمها اعتبار أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصى كالظلم والفسق والذنب والخطيئة والسيئة والخطأ ونحوها تعنى كلها معنى واحدًا هو الكفر المخرج عن الملة، وبالتالى فكل من ارتكب أية مخالفة شرعية من هذه المسميات التى وردت فى آيات القرآن أو فى الأحاديث فهو كافر كفرا مخرجا عن ملة الإسلام وأن الهجرة من دار الكفر (أى دولة لا تحكم بالشريعة) هى واجب شرعى ولذلك سعت جماعتهم لاعتزال المجتمع واعتبار مبدأ التوقف فى الحكم على أى مسلم ليس معهم فى الجماعة فلا يحكمون له بكفر أو إسلام حتى يتبين موقفه من أفكارهم فإن وافق انضم إليهم وصار مسلما حسب رأيهم وإن رفض حكموا بكفره .
ومن هذه الأسس انطلق شكرى مصطفى ليكون رؤيته عن الواقع السياسى وطريقة تغييره، فكان يرى أنه لابد من إقامة دولة إسلامية وفق منهجه الفكرى، وخلص من تحليله السياسى للواقع الدولى والإقليمى إلى أن القوى الكبرى ستسعى بمعاونة إسرائيل إلى تفتيت العالم العربى إلى دويلات صغيرة لتسهيل عملية إضعاف الأمة الإسلامية، ومن ثم اعتقد أن هذه الحالة سوف تمثل ظرفا مواتيا له لإقامة دويلة إسلامية على جزء من مصر وأعتقد أن القوى الكبرى قد تدعمه فى ذلك أو تغض الطرف عنه باعتبار أن عمله هذا سيساهم فى تحقيق مخططها الاستعمارى فى التفتيت على أن يسعى بعد ذلك إلى إعادة توحيد العالم الإسلامى كله فى دولة واحدة.
وتورطت جماعة شكرى مصطفى فى خطف واغتيال وزير الأوقاف حينذاك الدكتور محمد حسين الذهبى بعد أن كان قد انتقد أفكارهم فى إحدى المناسبات وتم اعتقال غالبيتهم.
الشوقيون
ينحدر أتباع حركة «الشوقيون» من إمامهم شوقى الشيخ وهى شخصية عرفتها وسائل الإعلام فيما عرف بأحداث قرية كحك بمركز أبشواى فى محافظة الفيوم عام 1990 ولم يكن شوقى مجرد مهندس مدنى تتلمذ على يد الشيخ يوسف البدرى فى السبعينات عندما كان يدرس الهندسة فى جامعة حلوان فقد كان له ميول أخرى اختلفت عن شيخه البدرى وقد تعرف على طارق الزمر فى منطقة الهرم وانضم لتنظيم الجهاد وظل شوقى على ولائه لتنظيم الجهاد حتى بعدما دخل السجن فى سبتمبر 1981 وخرج منه بعد اغتيال السادات بشهور عديدة.
تردد شوقى فى منتصف الثمانينات على منطقة الهرم لعله يظفر بخيط يوصله مجددا لتنظيم الجهاد لكنه لم ينجح فانضم لتنظيم جهادى آخر عرف فى عام 1986 بأنه محاولة لإعادة تأسيس تنظيم الجهاد، لكن التنظيم انكشف للأمن ودخل أقطابه السجن وأصبح شوقى الشيخ نزيلا فى سجن استقبال طره، وهناك تعرف على بعض دعاة وأقطاب مجموعات «التوقف والتبين» ودار بينه وبينهم نقاش متكرر نتج عنه أن تخلى شوقى الشيخ عن عقيدة تنظيم الجهاد وتبنى عقيدة جديدة اشتقها هو بنفسه من عقائد مجموعات «التوقف والتبين» وهى عبارة عن عقيدتهم كاملة لكنه أدخل عليها تعديلا يفيد أنه مادام أمر التوقف هذا بدعة فعليه ألا يتوقف بل يبادر بحكم الكفر على من خالف عقيدته وفكره دون توقف.
وقد مزج شوقى بين فكرة حمل السلاح ضد الحكومة التى تعلمها أيام عضويته لتنظيم الجهاد وبين فكرة تكفير من ليس معه، وهو ما دفعه للقيام بالعديد من الأعمال المسلحة التى أدخلته فى صراع ومواجهات واسعة مع قوات الشرطة أودت فى النهاية بحياته داخل قريته بالفيوم عام 1990م, وهو ما زاد من حدة المواجهات والعنف بين أتباع التنظيم وبين الداخلية , حتى إن بعض قادة الجهاد مثل نزيه نصحى راشد قد رأوا أن تسليح « الشوقيين « بالقنابل اليدوية أمر مفيد لاستنزاف قوة الحكومة , حتى قبض على قيادات التنظيم عام 1994م , وفى المعتقل التأم شمل قادة الشوقيين و أتباعهم ليخرجوا منه عام 2006م اثر فوز الإخوان ب 20% من مقاعد البرلمان وهو ما فسره البعض بأنه محاولة من الدولة لوقف زحف الإخوان وتأثيرهم على المجتمع