حول صعود جسد العذراء
بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس
سؤال:من السيد/إبراهيم حبيب حناوي-أم القصور-منفلوط.
كم يوما مكثتها السيدة العذراء في القبر؟وهل صعدت بجسدها كما صعد إيليا وأخنوخ؟وهل العذراء جالسة عن يمين السيد المسيح الآن أم هي في موضع الانتظار؟
الجواب:المعروف,نقلا عن كتب الآباء السابقين,أن العذراء مريم كانت قد أقامت مع القديس يوحنا الرسول في بيته,بناء علي وصية مخلصنا يسوع المسيح إلي أمه العذراء الطوباوية,وهو علي الصليب كما يروي الأنجيل المقدس علي يد القديس يوحنا الحبيبفلما رأي يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لأمه:يا امرأة,هوذا ابنك,ثم قال للتلميذ:هذه أمك.ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلي بيته.(يوحنا19:26, 27).
إذن كان بيت القديس يوحنا الرسول هو مقر إقامة العذراء مريم منذ أن تسلمها يوحنا كوصية معلمه وسيده,ذلك أن يوسف كان قد توفي قبل ذلك بكثير,ولم يكن للعذراء أحد آخر غير الرب يسوع.والمعروف في التقليد أن العذراء كانت كثيرا ما تتبع السيد المسيح في رحلاته وتنقلاته أثناء خدمته في المدة التي بدأت ببلوغه الثلاثين من عمره في التجسد إلي يوم صلبه.وكانت في بعض الأحايين تتنحي مكانا قريبا,وتصلي في خلوة.ومن بين تلك الأماكن المغارة التي أقيمت عليها الكنيسة المعروفة باسم العذراء مريم في مدينة صيدا بلبنان.انظر كتابامرأة من لبنانللمؤلف الموسوعة جزء14 في تفسير إنجيلي متي ومرقس ص180.
ومع أن بيت الرسول يوحنا كان مقرها الدائم بعد صلب المسيح وبعد قيامته من بين الأموات,غير أنها كانت تخرج دائما وتذهب إلي قبر ابنها وحبيبها وتصلي هناك,أحيانا وحيدة,وأحيانا تصحبها صويحباتها من البنات الأبكار اللائي تبعنها واتخذنها رائدة لهن,وهن(عذاري جبل الزيتون)ومن هذه الزمرة المقدسة تألفت أول جماعة من المتبتلات الطاهرات,أي أن العذراء مريم هي مؤسسة(نظام العذاري),وظل هذا النظام قائما طوال العصور الأولي,سابقا علي نظام الشكل الرهباني,وكان للعذاري في الكنيسة مكان مخصص لهن عرف بـخورس العذاريكما تدلنا علي ذلك الدسقولية أي تعاليم الرسل(باب10, باب35) وكتب الكنيسة القديمة,وكتابات الآباء الأولين,وكتب المؤرخين القدامي,ومن بينهم القديس كيرلس رئيس أساقفة أورشليم.
ولذلك لا نستطيع أن نحصي الأيام التي قضتها العذراء في القبر المقدس والمجيد,ولكن آباء الكنيسة يقولون إنها قضت في بيت يوحنا نحو أربع عشرة سنة(السنكسار تحت16 من مسري).ولذلك فإن يوحنا الحبيب لم يذهب بعيدا عن أورشليم قبل نياحة العذراء مريم وانتقالها إلي الأخدار السمائية.ولكن العذراء مريم هي التي ذهبت إلي مدينة برطس لإنقاذ القديس متياس الرسول(أعمال الرسل1:23, 26),فقد كان سجينا هناك,فصلت العذراء صلاتها المعروفة بالصلاةحالة الحديدفذاب الحديد المصنوعة منه السلاسل التي كان مقيدا بها,المتاريس والمغالق وخرج القديس متياس,فآمن أهل المدينة,وتعيد الكنيسة لهذه المعجزة والحادثة في اليوم الحادي والعشرين من شهر بؤونة(ويقع حاليا في يوم 28يونية).
فيما عدا هذه الرحلة إلي تلك المدينة,والتي أنقذت فيها العذراء بصلواتها متياس الرسول من سجنه,لا تدلنا مصادرنا الكنسية علي مناسبة أخري تركت فيها العذراء,مدينة أورشليم القدس,إلا حينما حملها الرب يسوع المسيح علي السحب,وجاء بها إلي مصر لتدشين كنيسة العذراء الأثرية بجبل قسقام والتي أقيم حولها فيما بعد الدير المعروف بدير العذراء بالمحرق,وتعيد الكنيسة الأرثوذكسية في مصر في الأقاليم التابعة للكرازة المرقسية,لهذه المناسبة أي لتدشين كنيسة العذراء الأثرية بدير العذراء بالمحرق في اليوم السادس من هاتور.ولقد نزل المسيح له المجد من السماء لهذا الغرض وصحبه رؤساء الملائكة والملائكة,كما حملت السحب الآباء الرسل المنتقلين منهم والأحياء ليكونوا في شرف خدمة سيدهم ومعلمهم وربهم,الذي شاء بهذا التدشين أن يرد اعتبار العذراء التي أهانها اليهود بعد قيامته من بين الأموات بأكثر مما صنعوا قبل ذلك.
أما صعود جسد العذراء مريم,فكان ذلك بعد موتها,وهنا يختلف أمر هذا الصعود عن صعود إيليا النبي.فإيليا صعد حيا بجسده إلي السماء,في مركبة من نار وخيل من نار(2المملوك 2:11)وأما أخنوخفلم يوجد لأن الله أخذه(التكوين5:24),(العبرانيين11:5) فإيليا وأخنوخ لم يموتا بعد,لكن العذراء مريم ماتت,ودفنوها في الجثسمانية لكن الملائكة حملت جسدها بعد موتها وصعدت به إلي السماء,بعد ثلاثة أيام من موتها,ولذلك فإن الكنيسة تعيد لموت العذراء ولصعود جسدها بعيدين منفصلين,فتعيد لموت العذراء في 21من طوبة,بينما تعيد لصعود جسدها في16مسري.
أما عن سؤالكم هل العذراء جالسة عن يمين السيد المسيح الآن أم هي في موضع الانتظار,فجوابنا عليه أن جسد العذراء قد رفع إلي السماء تكريما له,وهو محفوظ في السماء في الفردوس بمفرده,إلي يوم القيامة العامة(عن ميمر للقديس كيرلس الأول عمود الإيمان).
سؤال:من الأخ منير كيرلس.
ذكر أن السيدة العذراء صعدت إلي السماء بعد موتها.هل هناك ما يثبت ذلك غير ما وجد في السنكسار.ولماذا لم تصعد بجسدها حية كما صعد إيليا وأخنوخ؟وما الحكمة في أن تصعد بعد موتها؟
الجواب:ليس بالطبع ما يثبت ذلك في الكتاب المقدس لأن موت السيدة العذراء,وصعود جسدها بعد ذلك,حدث بعد كتابة آخر سفر في العهد الجديد.والكتاب أيضا لم يذكر شيئا عن موت أو استشهاد أكثر الآباء الرسل القديسين,فلم يتكلم بشئ عن قطع رأس بولس,أو صلب بطرس,أو أندراوس أوكيف انتهت حياة فيلبس,أو متي,أو توما,أو يوحنا,أو يعقوب الصغير,أو لباوس,أو سمعان القانوي,أو برثولماوس,أو يهوذا(ليس الأسخريوطي),أو متياس.إن الكتاب تحدث عن موت رسولين فقط وهما يهوذا الإسخريوطي(مت527) ,ويعقوب بن زبدي أخو يوحنا(أع12:2),(أع1:18)
لكن تاريخ الكنيسة بعد الكتاب المقدس هو الذي سجل الأحداث التي لم يسجلها الكتاب المقدس,ولهذا فإن الكنيسة رتبت في طقوس القداس قراءة كتاب تراجم القديسين والشهداء(وهو السنكسار) بعد قراءة سفر الأعمال مباشرة لأنه امتداد له في تسجيل تاريخ الكنيسة.
علي أن حقيقة صعود جسد السيدة العذراء حقيقة معترف بها,منذ أقدم عصور الكنيسة وعند جميع الكنائس الرسولية,لأنها تقليد رسولي عن القديس يوحنا الرسول الذي شهد كل تفاصيل حياة السيدة العذراء وموتها,وصعود جسدها إلي السماء,كذلك هي رواية سائر الرسل الذين حملتهم سحب السماء,بأمر الروح القدس ليشاهدوا والدة الإله مريم في انتقالها من هذا العالم الزائل,ورووا هذه الواقعة للمؤمنين في جميع هذه البلاد التي كرزوا فيها,فذاع النبأ في الكنيسة الأولي,وصار تقليدا رسوليا في جميع الكنائس الرسولية,منذ العصر الرسولي الأولي.وقد سجل آباء الكنيسة هذا التقليد في كتب الكنيسة ومنها السنكسار.
أما إن العذراء لم تصعد بجسدها حية,بل ماتت أولا ثم أصعد جسدها بعد ذلك علي أيدي الملائكة,فلأنه كان ينبغي أولا أن تموت كموت البشر,فقدوضع للناس أن يموتوا مرة واحدة(عب9:27).
حقا إن أخنوخ نقل بجسده(تك5:24) وكذلك صعد إيليا في العاصفة إلي السماء وهو في الجسد (2مل2:11) لكن هذين القديسين لابد أن ينزلا إلي الأرض مرة أخري ويموتا,ويري بعض اللاهوتيين أنهما سيموتان شهيدين في حكم الدجال(رؤ11:7) فلا استثناء في قضية الموت,إن إنسان يحيا ولا يري الموت؟أن ينجي نفسه من يد الهاوية(القبر)؟,(مز89:48).
لقد أصعد جسد العذراء بعد انفصاله عن روحها,لأسباب لا ندعي لأنفسنا أننا نعرفها جميعا ولعل فيها أن الله أراد أن يكرم هذا التابوت المقدس,الذي حل فيه الكلمة المتجسدة,فرفعه إلي مكان الكرامة والقداسة,إلي السماء إلي فردوس النعيم.
منقول